التراتين في الموسيقى الأندلسية

أمين الشعشوع

تستعمل الموسيقى الأندلسية، مع الشعر، عبارات لا معنى لها نطلق عليها اسم « التراتين » أو « التراطين ». ومن أكثر التراتين شيوعًا « أنانا » و »هانّانا » والوحدة « نانا ». وهذه الأخيرة شائعة جدا في الآلة لدرجة أنها كانت حتى أواسط الثمانينيات تقتحم الكلمة في الشعر، فعِوَض أن يغنَّى الشعر بهذه الطريقة

وجب الشكر علينا..

كان يغنّى على النحو التالي

و نن جب وجب نن الشكر نن عل ننننا

وقد عرفنا شخصيًا « معلمين » كبار بتطوان كانوا لا يزالون ينشدون بهذه الطريقة. أما في الإنشاد الفردي فإن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا، إذ أنّ المنشد يتلفظ ب »نانانانا » أكثر منه بالشعر. فما أصل هذا الصوت؟

كما قلنا مرارًا إنّ الحضارة الأندلسية هي وليدة بيئتها، وبيئتها هي أساسًا الأرض الأندلسية بما تشمل من حضارة رومانية قوطية غربية ثم الوافد العربي الشرقي والمغربي، مع مكوّن بيزنطي مهم بِحُكم علاقة بيزنطة بشبه الجزيرة الإيبيرية منذ القرن السابع الميلادي حتى القرن العاشر مع الخليفة عبد الرحمن الثالث.
وقد كان الإسبان والبيزنطيون يستعملون التراتين في غنائهم منذ القرون الأولى للمسيحية ومنها « نانا » و »أنانا ». وفي التراتيل المسيحية كان المغني يبدأ عادة بذكر اسم النغمة القرار للطبع الذي يستعمله. ومن أكثر الطبوع شيوعا في أوربا الوسيطية تلك التي ترتكز على نغمة الماية أو ري (وفي الموسيقى الأندلسية تطغى كذلك الطبوع التي ترتكز على نغمة الماية من حيث العدد). ومن أسماء الماية في بيزنطة « نانا ». وهكذا كان المرتلون يستهلون إنشادهم المسيحي بعبارة « نانا » قصد إظهار النغمة القرار للطبع، شأنهم في ذلك شأن المنشدين في الموسيقى الأندلسية.
فليس بغريب أن يكون الأندلسيون قد اقتبسوا هذه العادة من الغناء المسيحي المحلي في سياق مزج غناء النصارى بغناء المشرق الذي كان ابن باجة رائده، وفي إطار الحوار الحضاري والذي جعل المصريين مثلا يتبنّون عبارة « أمان » التركية في غنائهم لأهمية العنصر العثماني في الثقافة الموسيقية المصرية.

خلية دو – ري – فا

إذا كانت الألحان الأندلسية تتميز عن ألحان باقي المدارس الموسيقية الإسلامية بمفهوم التركيب بالخلايا، فإنه من بين مجموع الخلايا الأندلسية (فا لا صول – مي ري دو – دو ري مي – فا صو لا – لا صول فا – فا مي ري دو – …) تنفرد خلية « دو ري فا » بمكانة خاصة. فبالإضافة إلى كونها من الخلايا الرئيسية لطبع المشرقي (انظر صنائع: نزهة النفس – أشهل العين – يا صاحب العذار – هل تستعاد – سقيت كأس الهوى قديما – تعلم يا خلي – من عنده خله – قد بدا ما كنت أخفيه – غيبتك زادتي الأشواق…)،  نجدها بكثرة في ألحان باقي الطبوع والنوبات، نجدها في نوبة رمل الماية (صلى عليك إله العرش ما سجعت – الله يفعل ما يشاء)، الماية (مشتاق إلى أحبة صاروا)، غريبة الحسين (امزج الأكواس – يا غرير – وصلك حياتي)، الرصد (أدرها إيراد – امنع رقادي)، العشاق (يا قلبي كم تسعدني وجدا)، رصد الذيل (إني رأيت حمامة)، وما هي إلا أمثلة قليلة من بين العشرات الموجودة في مجموع ألحان موسيقى الآلة.

ولكن لماذا هذه المكانة الخاصة لهذه الخلية؟ الأسباب متعددة:


أولا، دو – ري – فا هي من الخلايا الأساسية لموسيقى أوربا قبل وأثناء العهد الأندلسي، سواء في الموسيقى الدينية أو الدنيوية. نجدها في الغناء الغريغوري وفي أناشيد الصديق بجليقية وفي موسيقى السيلت شمال أوربا وفي الليتورجية الإيبيرية. ومعلوم أن الأندلس، موسيقيًا، وريث الميول والذوق الأوربي القديم.

ثانيًا، إنها خلية تعبر عن عظمة الله وسمو الإنسان في جهاده اليومي قصد نيل المراتب الروحانية العليا.

فإذا اعتبرنا مثلا خلية « دو ري مي » نجد فيها مسيرة متشابهة بين « دو وري » من جهة وبين « ري ومي « من جهة أخرى، فهو نفس البعد الطنيني. إذن لا تغيير ولا سمو.
أما إذا اعتبرنا خلية « دو ري صول » أو « دو ري لا » أو « دو ري سي » فالبعد الثاني يحملنا إلى نغمات العقد الثاني (صول لا سي) والتي، في عقدها، لا تقع أعلى الجنس، لهذا فهي لا تعطينا إحساسًا بالعلو.
بقيت نغمة دو في العقد الثاني، ولكنها لا توحي بالعلو لأنه جواب للنغمة السفلى للنظام، وهي دو القرار، لهذا فهي ترجعنا إليه، خصوصا وأنه في الموسيقى القديمة كان الجواب يعتبر من طبع القرار قابلا أن يحل محله.

أما خلية دو – ري – فا، فهي قادرة على التعبير على السمو لأن البعد الثاني « ري فا »  يسمو ويكبر مقارنة مع البعد الأول (1،5 مقابل 1)، وهكذا يعبر الجمع عن خطوة بشرية مادية (دو – ري) أولا، يليها صعود ما فوق المادة (ري فا)، أي صعود روحاني، لهذا خلية دو – ري – فا تحمل رمزًا روحانيًا في لحنها،

ثالثا، كان للأوربيين ميلٌ إلى بعد الثالثة صغيرة يتجلى في بعد « ري فا »، وهو ما يفسره المغاربة اليوم خطأ بأنه تأثير أمازيغي (المدعو خطأ: السلم الخماسي).

رابعا، هي خلية أساسية لدى المسيحيين بأوربا وحتى قبل انتشار واستقرار المسيحية في ربوعها، لأن الشعوب القديمة كانت ذات وازعٍ ديني قوي، سواء من منظور مسيحي أو قبله المسيحي (الدرويد وعبدة ميترا وغيرهما) أو بعده، أي إسلامي.
ولا زلنا اليوم نجد خلية « دو ري فا » في ترتيل الذكر الحكيم بين المقرئين المغاربة في القراءة الجماعية والتي ينفرد بها المغرب بين البلدان العربية الإسلامية، لأنه وريث الحضارة الأندلسية والتي ما هي إلا حضارة أوربا مهيكلة بقالب إسلامي ومكونات إضافية عربية أمازيغية.

أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ بن باجة التجيبي

أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ بن
باجة التجيبي
  من أبرز الفلاسفة العرب، اهتم بالطب والرياضيات والفلك والادب والموسيقى،  كان أحد وزراء وقضاة الدولة المرابطية

حياته

نشأ في سرقسطة وعمل كاتبا لإبراهيم بن تيفلويت الذي كان يكرمه بسخاء بالغ  إذ كان كلاهما يحب الموشحات والموسيقى حتى عينه بن تيفلويت وزيرا وبقي وزيرا حتى وفاته  بعد أن استطاع ألفونسو المحارب إسقاط دولة بني هود في سرقسطة, إتجه بن باجه إلى شاطبة حيث كانت لا تزال تحت سيطرة أبو إسحق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين وكانت علاقة بن باجه بابن أبي الزهر والفتح بن خاقان سيئة حتى أن بن خاقان ألف كتاب قلائد العقيان ومحاسن الأعيان ردا على بن باجة اتهمه فيه الإلحاد والزندقة  و مع ذلك بقي بن باجة وزيرا للمرابطين لمدة عشرين سنة على الأقل حتى مات. تشير عدة مصادر إلى أنه قتل مسموما في مدينة فاس المغربية من قبل بعض خصومه من الأطباء والأدباء. رغم موقف المرابطين المتشدد من العلماء أمثال بن باجة, إلا أنه عين قاضيا على مراكش

مؤلفاته

يسرد ابن أبي أصيبعة لائحة بثمانية وعشرين مؤلفاً ينسبها إلى ابن باجّه، تقع في ثلاث فئات مختلفة: شروح أرسطوطاليس، تآليف اشراقية، ومصنفات طبية. فمن تآليفه في الطب: كلام على شيء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس، كتاب التجربتين على أدوية ابن وافد، وكتاب اختصار الحاوي للرازي وكلام في المزاج بما هو طبي.

كان لكتاباته أثر عظيم على إبن رشد[8] ولفلسفة ابن باجّه قيمتان أساسيتان، أولاهما أنه بنى الفلسفة العقلية على أسس الرياضيات والطبيعيات فنزع عن الفلسفة الإسلامية سيطرة الجدل، وخلع عليها لباس العلم. وثانيتهما أنه أول فيلسوف في الإسلام فصل بين الدين والفلسفة في البحث، وانصرف إلى العقل ولهذا اتهم بالإلحاد والخروج عن تعاليم الدين، وقد لام أبو حامد الغزالي لميله إلى التصوف. وقال

   إن الإنسان يستطيع بلوغ السعادة عن طريق العلم والتفكير لا بإماتة الحواس وتجسيم الخيال، كما يفعل المتصوفون، وقد رأى أن الغزالي خدع نفسه، وخدع الناس حين قال في كتابه «المنقذ من الضلال» إنه بالخلوة ينكشف العالم للإنسان »

   جميع أصول كتبه العربية ضاعت ولم ينتقل الينا منها الا ما ترجم في حينه إلى اللاتينية ومانقله من جاء بعده من الفلاسفة كإبن رشد. وابن ميمون واشهر هذه المترجمات (تدبير المتوحد) الذي تخيل فيه مدينة لا يشغل اهلها غير (تدبير) واحد أو غاية واحدة طريقها العقل فتتحقق لها ولهم السعادة. ويقسم ابن باجة غايات الإنسان إلى جسدية وروحانية وعقلية وهذه الأخيرة هي ارقاها. ولابن باجة أيضا (رسالة الوداع) التي اهداها لأحد أصحابه وهو على اهبة سفر طويل خشي الا يراه بعده، ورسالة (الاتصال) و(كتاب النفس) وكتاب (الكون والفساد)، وكتاب (رسالة الوداع).

تآليف اشراقية

رسائل ابن باجة الإلهية

مصنفات في الطب

كلام على شيء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس
كتاب التجربتين على أدوية ابن وافد
كتاب اختصار الحاوي للرازي
كلام في المزاج بما هو طب

مشروعه

عمد ابن باجة إلى العودة بالفلسفة إلى أصولها الأرسطية خالصة كما هي في كتب أرسطو مبتعدا عن أفكار العرفان والأفلاطونية المحدثة فكان بذلك أحد أفراد تيار تجديدي أندلسي حاول فصل الأفكار العرفانية التي اختلطت كثيرا بالفكر الإسلامي والذي بدأ بمشروع ابن حزم الذي عمد إلى تأسيس منهج العودة إلى الأصول واستبعاد القياس في الفقه واستأنف بعد ابن باجه بابن رشد الذي عمد إلى فصل نظام البيان الفقهي عن نظام البرهان الفلسفي. بمصطلح آخر فصل الدين عن الفلسفة كأنظمة استنتاجية وربطهما عن طريق الغايات والأهداف.

فلسفته 

في الإنسان

   كل حي يشارك الجمادات في أمور, وكل إنسان يشارك الحيوان في أمور… لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية، ولا يكون إنسانا إلا بها

   في منازل الناس

المرتبة الجمهورية: وهؤلاء لا ينظرون إلا للمعقول.

المرتبة النظرية: وهؤلاء ينظرون إلى الموضوعات أولاً، وإلى المعقول ثانياً
ولأجل الموضوعات.

مرتبة السعداء: وهم الذين يرون الشيء بنفسه.

Table of contents of the first issue فهرس العدد الأول