
كتاب “الفكر الموسيقي عند الفارابي”، الذي أصدرته حديثا منشورات المتوسط بإيطاليا، يضم تعميقا للتأويلِ وتفعيل علم الموسيقى المقارن، مع فتح المجال لـ “تأصيل النظرية الموسيقية العامة، وتصحيح بعض المغالطات التي نشأت حول الموسيقى العربية، بفعل الانفصام الحاصل بين العلوم النظرية وواقع الممارسة العملية”.
هذا الكتاب الذي يضم سيرة الفارابي ويهتم بمنجزه الفلسفي، يقف عند ريادته في ميدان الموسيقى على الخصوص؛ نظرا “لشمول علمه وتميّزِ إسهامه فكراً ومنهجاً، ، فكان مشروعه أصيلاً وعميقاً ومتميّزاً عمّنْ سواه من الأقدمين”
والكتاب، وفق مؤلّفه، “ثمرة اشتغال طويل على مؤلّفات الفارابي المتصلة بعلم الموسيقى، وضمن اهتمام متواصل بالتراث الموسيقي المنبثق عن الحضارة العربية الإسلامية في شرقها وغربها”، واستخرج فيه عيدون مجموع المصطلحات التقنية للفارابي، تبلغ 678 مصطلحا استعمله الفيلسوف في الوصف والتحليل وتدقيق المسارات النغمية والإيقاعية والتأليفية والنقدية.
ومن بين ما يوضّحه المصدر الجديد أن الفارابي “لم يقتصر في تناوله للموسيقى على ما جرى به العمل في بيئته العربية، بل حرص على النظر في كونية الموسيقى لكي يتجاوز ما هو مشهور من ممارسة عملية ونظرية في زمنه، إلى استنباط ما هو أعم بتوليد إمكانات نظرية موسعة”، ويقدّم مثالا على ذلك بـ”دوزنة وتسوية الآلات الموسيقية، ما يسميه التسوية المشهورة التي يرفقها بمجموعة من التسويات الممكنة منطقيا مما لا يعرفه أهل الصنعة”، وهو ما يظهر أيضا في “توليد الإيقاعات، وتمزيج بعضها ببعض”.
وبالتالي، كان من اللازم للكتابة حول الفارابي النظر في مباحث أخرى لهذا الفيلسوف، لأن “في خلفية التحليل الموسيقي نجد علوما أخرى” تقارب الظاهرة الصوتية في شمولها الطبيعي والإبداعي والتحليلي والتذوقي، وكذلك في مجمل علاقتها مع النشاط الفكري والجمالي للإنسان.