.بقلم المهدي الشعشوع
(من كلمة التقديم التي كتبتها بمناسبة تكريمه بتطوان عام 2006 مع بعض الإضافات)
.يعتبر الأستاذ المختار المفرج بارك الله في عمره أحد رواد الموسيقى الأندلسية في النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحالي، وأحد أمهر العازفين الضابطين لأصول الصنعة الأندلسية والمتقنين للأسلوب المغربي الأصيل.البدايات:ازداد الأستاذ المفرج في 31 دجنبر 1932 في أسرة محافظة وهاوية للموسيقى إذ كان والده المرحوم محمد المفرج حسن الصوت وعازفا على آلتي العود والكمان.أخذ دروسه الأولى على كل من العياشي الوراكلي وأحمد البردعي، ثم مولاي أحمد الوكيلي ومحمد العربي التمسماني فيما بعد. ومنذ عام 1954 أخذ يتردد على بيت الحاج امحمد بنونة كل أسبوع لحضور المجالس الفنية والأدبية التي كانت تقام هناك. وقد كان الحاج امحمد بنونة ضمن من أخذ عليهم الأستاذ المفرج الشيء الكثير من المعلومات والتقنيات فضلا عن الثقافة الموسيقية.الاحتراف:في عام 1955 التحق بجوق الاستقلال الذي كان يضم نخبة من الفنانين الشباب آنذاك مثل عبد الصادق اشقارة وعبد السلام السعيدي وسيدي رشيد الريسوني ومحمد المصطفى.في عام 1956 تم اختياره من طرف مدير المعهد الموسيقي الأستاذ محمد العربي التمسماني للقيام بمهمتي التدريس بالمعهد والعزف بالجوق، وكان إذاك يعمل لحسابه الخاص، فدفعه ميوله الفني إلى قبول اقتراح الأستاذ التمسماني، ولما فرض هذا الأخير دراسة علم التنغيم – الصولفيج – على أعضاء الجوق، صادف كون الأستاذ المفرج سبق وأن درس المادة المذكورة من قبل والتي أحرز فيها على الشهادة فيما بعد عام 1961.شكل الأستاذ المفرج لبنة أساسية ضمن جوق تطوان على مدى أربعة عقود رفقة نخبة من الفنانين من بينهم رئيس الجوق محمد العربي التمسماني والعربي الغازي وعبد الصادق اشقارة وأحمد احرازم وأحمد الشنتوف وأحمد البردعي ومحمد بنعياد وغيرهم. وقد شارك ضمن هذه المجموعة في عدة مناسبات وطنية ودولية منها حفلات بكل من الاتحاد السوفييتي سابقا 1974، المملكة المتحدة 1978، العراق 1978، المملكة العربية السعودية، الأردن، قطر، فرنسا، اسبانيا…سهرات لاسمير بالمحمدية، مهرجانات الآلة بكل من فاس وشفشاون، ملتقى البارودي بسلا…أسلوبه:يعتبر أسلوب العزف عند الأستاذ المفرج فريدا في الجمع بين الضوابط التراثية للصنعة والتعبير الموسيقي. إنه أسلوب يتسم بالدقة في أداء الطبوع الأندلسية المغربية وضبط الإيقاع بالريشة واستعمال تقنيات ومهارات متعددة.وأنت تستمع لعزف الأستاذ المفرج يخيل لك أنك في درس من دروس العود والصنعة لحرصه على الأداء الدقيق للجملة الموسيقية مع تبيان عناصرها اللحنية والإيقاعية، وكان عزفه في انسجام وتكامل مع الأستاذ التمسماني سواء كان هذا الأخير عازفا للعود أو للبيانو. لأسلوب الأستاذ المفرج رافدان أساسيان نجملهما فيما يلي:• الأسلوب القديم الذي يقتضي التعديل التام للنغمات قصد الحصول على أبعاد طبيعية تجنبا للأبعاد السطحية وذات الزيادة، وقد حوفظ عليه بصفة خاصة في الزاوية الحراقية بتطوان حيث نجده مستعملا كذلك، ولو بطريقة مختلفة شيئا ما، عند نخبة من الفنانين أمثال عبد الصادق اشقارة وعبد الله اشقارة وغيرهم.• أسلوب الصنعة المحكمة بتعبيرها وخطابها وجملها وفواصلها ومواقع ضعفها وقوتها ودقة إيقاعها مما أخذه أساسا عن الأستاذ محمد العربي التمسماني.من تقنيات أسلوب الأستاذ المفرج:• ضبط الميزان بالريشة وبالتالي أداء الصنعة بمكونيها النغمي والإيقاعي.• تقنية التثقيل الإيقاعي التي تضفي جمالية خاصة على الجملة الموسيقية.• تقنية التأخير في النغمات الواقعة قبل النغمة الأخيرة من الجملة الموسيقية.• الزمن المضاد قصد التنويع والإغناء. • الزخارف كالأبوجياتورات وغيرها.• ملء بعض الفراغات بمتتاليات نغمية صاعدة أو نازلة.• تقنية الترعيد قصد الحصول على النغمة المتواصلة تجنبا لكسر النغمات الطويلة في المشاليات والصنائع الموسعة ليوصل أول النغمة بآخرها وبالتالي تجنب تقطيعها بضربات منفصلة وتشويه معناها الموسيقي.• تعديل أنصاف الأبعاد لتجنب الثانيات والثالثات ذات الزيادات (يقصد بالتعديل توسيع أنصاف الأبعاد وليس نظام تسوية الآلات المعدلة)، لذلك نراه يستعمل أصبعي السبابة والبنصر عوض السبابة والوسطى للحصول على نصف البعد المغربي بطريقة طبيعية.بالإضافة إلى ذلك تتسم الاستخبارات – التقاسيم – عند الأستاذ المفرج بالوضوح في الطبوع والإتقان في الانتقالات، وتكون في العادة عبارة عن جمل في الطبع الأساسي وطبوعه المجاورة إن صح التعبير، وانقلاباته مع انتقال محكم وحسب القواعد السليمة، وتتسم بإحكام ووضوح تامين وتأطير هندسي محكم.الخزانة الفنية:من بدائع ما تزخر به الإذاعة والتلفزة والخزانات الخاصة من عزف الأستاذ المفرج خاصة ضمن جوق المعهد التطواني برئاسة الأستاذ محمد العربي التمسماني، للمثال لا للحصر:• الحصص الإذاعية المسجلة من أواخر الخمسينيات إلى غاية عام 1969.• سهرات لاسمير بالمحمدية أواسط وأواخر السبعينيات (بسيط رصد الذيل، قدام المشرقي، بطايحي الاستهلال، قائم ونصف الحجاز الكبير، قدام عراق العجم…).• مهرجانات فاس وشفشاون في الثمانينيات (قائم ونصف الاستهلال، بسيط رصد الذيل، قدام الحجاز الكبير، قدام العشاق، بسيط غريبة الحسين…).• تسجيلات أسطوانية ضمن جوق الأستاذ عبد الصادق اشقارة (شذرات وانصرافات من قدام الاصبهان، بسيط رصد الذيل، بطايحي غريبة الحسين، قدام عراق العجم…).• مشاركته مع مجموعة الحايك بتطوان أواخر الثمانينيات وطيلة التسعينيات (بطايحي رمل الماية، بسيط الاستهلال، بسيط الرصد، بطايحي الرصد، قائم ونصف غريبة الحسين، قدام غريبة الحسين، بسيط الحجاز الكبير، بطايحي عراق العجم…).• مشاركته مع جوق تطوان برئاسة المهدي الشعشوع خلال العقد الأول من هذا القرن (بطايحي رمل الماية، بطايحي رصد الذيل، قائم ونصف الاستهلال، بطايحي ودرج المشرقي…).تشكل تسجيلات الأستاذ المفرج مادة غزيرة لكل عازف أراد أن ينهل من الأصول ويقي عزفه وأسلوبه من أي تأثير بعيد وغريب عن جوهر الأسلوب الأندلسي المغربي الأصيل، ومرجعا صحيحا لتجنب كل ما يسمع حاليا من تشويه ومسخ للطبوع والأبعاد في مقدمتها رمل الماية والرصد وغريبة الحسين والحجاز الكبير وعراق العجم.