أمين الشعشوع
تاريخ الموسيقى العربية
العهد الجاهلي. شكّلت مكة المكرمة واحدًا من أهم المراكز الموسيقية، وكان سوق عكاظ قبلة للموسيقيين والشعراء يقدمون فيه أروع إبداعاتهم. وعرف العرب الأنماط الغنائية التالية: الحداء، السناد، الهزج، النَـصب.
عهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين. كان زمانهم زمان ترسيخ للمنهج الرباني وتأسيس للدولة وللمجتمع الإسلامي. ولكنّ قوة الإيمان التي ميزت عهد السلف الصالح لم تمنعهم من التعبير عن رقة أحاسيسهم، جاء في كتاب « نهاية الأرب في فنون الأدب » أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ برجل يتغنى، فقال: « إن الغناء زاد المسافر« .
عهد الخلافة الأموية. جدّد الإسلام الثقافة العربية بأن زرع في المسلمين الاهتمام بثقافات الأمم الأخرى بفضل قصص القرآن التي تروي أخبار الأمم السابقة. مع الأمويين عرفت الدولة الإسلامية ازدهارًا ثقافيًا منبعه الإسلام وتعاليمه، فالشعر الجاهلي وأيام العرب، ثم حضارات الأراضي المفتوحة. وكان الخليفة عبد لملك موسيقيًا ملحنًا، كما استدعى الوليد الأول إلى بلاطه بدمشق أهم موسيقيي مكة والمدينة.
عهد الخلافة العباسية. قامت دولة العباسيين في مجتمع فيه المسيحيين واليهود والعرب ومجموعات ذات ثقافة فارسية وهلينية. وترجم العرب مؤلفات إغريقية في الموسيقى (كتاب في الصوت لجالينوس، علم توافق الأصوات وعلم الإيقاع لأرسطوكسينوس، علم توافق الأصوات والقانون لإقليدس، علم توافق الأصوات لبطليموس…). كما أنّهم راجعوا نظريات الإغريق وأصلحوها وأضافوا إليها ما أضافوا. وظهر في تلك الفترة أهم المنظّرين أمثال يونس الكاتب وإسحاق االموصلي وأبو الحسن علي بن نافع، الملقّب بزرياب. ومن أهم المؤلفات الموسيقية لذلك العصر: رسالة في خبر تأليف الألحان للكندي، كتاب الموسيقى الكبير للفارابي و كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
تاريخ موسيقى شبه الجزيرة الإيبيرية
عرف جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية عدة حضارات أهمها الفينيقية والإغريقية والقرطاجية والطَّرْشُوشِيِة التي قال فيها استاربون: « …يعرفون بكونهم أرقى الشعوب الإيبيرية ثقافة، ويَعرفون الكتابة، ولهم كتابات تأريخية وشعر… يرجع إلى ستة آلاف سنة على حد قولهم«
العهد الروماني. كان غزو الرومان لشبه الجزيرة الإيبيرية غزوًا جذريًا. يقول استرابون: « الطرديطانيون وخصوصًا أهل منطقة البِتِيسْ Betis تأثروا بالهوية الرومانية بشكل مطلق لدرجة أنهم نسوا لغتهم. لقد صاروا لاتينيين في أغلبهم ». ويحكي بْلُوتَارْكُو أنه عند انتهاء الحرب السِّرْطُورِيَة (سنة 74 ق.م.) احتفل الشعراء القرطبيون مُرَتِّلِين أناشيد تمّ تلحينها خصيصًا لهذه المناسبة. ويصف مَارْسْيَال دخول القنصل ميتيلو إلى روما بعد فوزه ومعه فتيات أندلسيات يرقصن ويفتِنَّ الحاضرين بحركاتهنّ المثيرة. وكانت راقصات قادس تحظى بشهرة كبيرة في كلّ أنحاء الإمبراطورية الرومانية.
العهد القوطي. تأثر القوط بالحضارة الإيبيرية. يقول جوهانس بورلر: « […] إبراز واحدة من أهم مزايا الطبيعة الجرمانية والتي أثرت تأثيرا عميقا في مسار ثقافة القرون الوسطى ثم الثقافات اللاحقة، نقصد السهولة في تبني المقترحات الخارجية و تطويرها بعد مرحلة من التقليد […] في تاريخ الثقافة الجرمانية أولاً ثم الثقافة الألمانية، قليلاً ما نجد صفحة لم تكن نقطة انطلاقها تأثيرات قادمة من الشعوب الأخرى« . لهذا يقول الباحث الموسيقي أَدُولْفُ سالاثار: « وهكذا يمكن القول بأن الموسيقى القوطية في إسبانيا هي موسيقى لاتينية تؤَدَّى في شبه الجزيرة خلال العهد القوطي« .
النشيد القوطي الإسباني Hispanovisigótico. هو الغناء الديني المسيحي لشبه الجزيرة الإيبيرية. وهونشيد ضارب في القدم وله طابع محلي إيبيري قوي مع وجود تأثيرات بيزنطية ورومانية ويهودية وغالية.
النشيد الغريغوري Gregoriano. عندما تعدّدَت المدارس الموسيقية الدينية في أوربا قرّر البابا غْرِيغُورْيُو الأول (590م – 604 م) توحيد النشيد الديني الكاثوليكي، فوضع ما سمي ب »النشيد الغريغوري » والذي تم تأليفه انطلاقًا من أناشيد المدارس السابقة.
تاريخ الموسيقى الأندلسية
عهد الإمارة والخلافة الأموية. فُتِحَت الأندلس سنة 92هـ/711م. وكان من الصعب أن تشهد الحقبة الأولى أي ازدهار فني، لانشغال الأندلسيين الأوائل بترسيخ دعائم الدولةز يقول التيفاشي: « …أهل الأندلس في القديم كان غناؤهم إما بطريقة النصارى، وإما بطريقة حداة العرب ».
وكان الأمراء الأندلسيون يستقطبون الموسيقيين من مدن الشرق العربي. وقد ذُكر أن أوّل من دخل الأندلس من المغنين علون وزرقون أيام الحكم الأول (الحكم بن هشام).
اجتاز زرياب مضيق جبل طارق متجهًا إلى حضرة الأمير عبد الرحمن بن الحكم المعروف بعبد الرحمن الأوسط والذي كان مولعًا بالسماع. ولعلّ أهمّ ما قام به زرياب هو وضع منهج للتأليف المضبوط، إذ أنه حَدّد الهيكل اللحني الذي يجب أن يراعى في كل تلحين جديد. يقول أحمد بن يوسف التيفاشي: « …إلى أن وفد المقدم في هذا الشأن علي بن نافع الملقب بزرياب غلام إسحق الموصلي على الأمير عبد الرحمن الأوسط فجاء بما لم تعهده الأسماع واتخذت طريقته مسلكًا ونسي غيره ».
وكانت الموسيقى حاضرة بقوة في حياة الأندلسيين وكثُرت ليالي السّمر بالبيوت والمنتزهات. وكان أهل بطليموس أهل همة وطهارة ورقة ذوق في الملبس وأهل حب للهو والغناء وتوليد اللحون. أما أُبَدَة فقد عرفت أصنافًا من الملاهي والرواقص « المشهورات بحسن الانطباع والصنعة ». هذا بالإضافة إلى وفرة أنواع الآلات الموسيقية . نقرأ في النفح: « وقد سمعت ما في هذا البلد من أصناف أدوات الطرب كالخيال والكريج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والفنار والزلامي والشقر والنورة –وهما مزماران الواحد غليظ الصوت والآخر رقيقه – والبوق، وإن كان جميع هذا موجودًا في غيرها من بلاد الأندلس فإنه فيها أكثر وأوجد، وليس في بر العدوة من هذا شيء إلا ما جلب إليه من الأندلس وحسبهم الدف وأقوال واليرا وأبو قرون ودبدبة السودان وحماقي البرابر ».
الموشح والزجل. ازدهر الشعر بالأندلس وتمكّن الناس منه إلى حد كبير، فظهر نوع جديد منه في القرن الرابع الهجري عُرِف بالموشح والزجل وقد استحدثه مقدّم بن معافى القبري. يقول بن بسام: « وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها – حيثما بلغني – محمد بن محمود القبري الضرير. وكان يصنعها على أشطار الأشعار، غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة، يأخذ اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركز، ويضع عليه الموشحة دون تضمين فيها ولا أغصان. وقيل إن ابن عبد ربه صاحب كتاب العقد أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات عندنا. ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي فكان أول من أكثر فيها من التضمين في المراكز، يضمن كل موقف يقف عليه في المركز خاصة. فاستمرّ على ذلك شعراء عصرنا كمكرم بن سعيد وابني أبي الحسن. ثم نشأ عبادة هذا فأحدث التضفير ، وذلك أنه اعتمد مواضع الوقف في الأغصان فيضمنها، كما اعتمد الرمادي مواضع الوقف في المركز. وأوزان هذه الموشحات خارجة عن غرض هذا الديوان إذ أكثرها على غير أعاريض أشعار العرب« .
عهد دول الطوائف. في القرن الخامس للهجرة انقسمت الأندلس إلى دويلات صغيرة عرفت بدول الطوائف. إلاّ أنّ هذا الانقسام والذي شكّل ضَعفًا من الناحية العسكرية والسياسية، كان إيجابيًا في ميادين الفنون والآداب بما فيها الموسيقى بفضل حرية الفكر والاستقامة الثقافية التي كان يتمتع بها الناس في تلك الظروف، أضف إلى ذلك أن التعدّد في السّياسات يترتّب عنه تعدّدًا في الأفكار والاتجاهات، ثم تنوعًا وغنىً في الإنتاج الأدبي والفني.
استقرار النشيد الغريغوري في الأندلس. وفي أواخر القرن الخامس الهجري دخلت الليتورجية الغريعورية إلى منطقة الأندلس.
العهد المرابطي. في سنة 485هـ/1092م دخل يوسف بن تاشفين الأندلس بطلب من علمائها الذين كانوا يخشون هجومات ألفونسو السادس ملك قشتالة فأصبحت الأندلس جزءا من المغرب المرابطي. وقد شكّل العصر المرابطي في الأندلس مرحلة جنيت فيها ثمار الجهود الفنية والثقافية والعلمية للمراحل السابقة.
ابن باجة والمدرسة الموسيقية الأندلسية. كان أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ السرقسطي، المعروف بابن باجة (ولد بسرقسطة 478هـ/1085م)، من أكبر فلاسفة الأندلس وإمامها في الألحان. قال في حقّه لسان الدين ابن الخطيب: « إنّه آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس« . وكان ضليعًا في السياسة، والعلوم الطبيعية، وعلم الفلك، والرياضيات، والموسيقى والطب، وكان ينتمي إلى المدرسة الرياضية الفلسفية التي ازدهرت في سرقسطة الإسلامية. وكتابه في الموسيقى فيه كفاية وهو في المغرب بمنزلة كتاب أبي نصر الفارابي بالمشرق، وإليه تنسب الألحان المطربة بالأندلس التي عليها الاعتماد. وهو الذي قال عنه الشقندي في رسالته مقارنًا بينه وبين موسيقيي المغرب: « هل لكم في علوم اللحون والفلسفة كابن باجة« . وقال عنه التيفاشي: « وآخر من كان يلحن بالمغرب أبو بكر بن الصائغ الفيلسوف المعروف بابن باجة« . كان ابن باجة يستمع إلى أغاني النصارى والمسلمين (كغيره من الأندلسيين) فمزج الكل في نمط واحد. يقول التيفاشي: « إلى أن نشأ بن باجة الإمام الأعظم واعتكف مدة سنين مع جوار محسنات، فهذب الاستهلال والعمل ومزج غناء النصارى بغناء المشرق، واخترع طريقة لا توجد إلا بالأندلس، مال إليها طبع أهلها فرفضوا ما سواها« . وبذلك كانت مدرسة ابن باجة هي المدرسة الأندلسية حقًّا، فإذا كانت الأندلس دولة إسلامية تعددت فيها العناصر البشرية والأديان والثقافات، فمن الطبيعي أن تشمل موسيقاها مكونات جميع تلك العناصر البشرية. ومن علماء الموسيقى لهذه الفترة الفيلسوف أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الطبيب والشاعر والموسيقي. قال عنه ابن سعيد: « وعنه أخذ أهل إفريقية الألحان التي هي الآن بأيديهم« .
العهد الموحدي. في هذه الحقبة لم يطرأ تغيير كبير على موسيقى الأندلس. يقول التيفاشي: « ثم جاء بعده ابن جودي وابن الحمارة وغيرهما، فزادوا ألحانه تهذيبًا واخترعوا ما قدروا عليه من الألحان المطربة ». فالتغيير كان تهذيبًا وإضافة أغاني جديدة وليس تبديلاً في الجوهر. وكانت إشبيلية تُعتبَر آنذاك من أهم مراكز الموسيقى وصناعة الآلات. ولعل الحوار الذي دار بين الشاعر الاشبيلي ابن زهر والفيلسوف القرطبي ابن رشد خير دليل على ذلك. يقول المقري: « وقال أبو الفضل التيفاشي: جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب المنصور يعقوب بين الفقيه أبي الوليد بين رشد والرئيس أبي بكر بن زهر، فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة: ما أدري ما تقول، غير أنّه إذا مات عالمٌ بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مطربٌ بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية« .
عهد الدخول المسيحي ومملكة غرناطة. لقد ترك الاستعمار المسيحي بصماته على الإبداعات الفنية حيث تَعَثَّر الإنتاج ولم يظهر أي تجديد. ومن جهة أخرى قام ألفونسو العاشر (الحكيم) ملك قشتالة وليون بنظم وتلحين مجموعة ضخمة من الأناشيد باللغة الجليقية في مدح السيدة مريم العذراء وذِكر معجزاتها، عُرِفت بأناشيد القديسة مريم Cántigas de Santa María، وألحانها على طبوع أندلسية.
وفي هذه الفترة انقرضت من الأندلس بحور التلحين والأصوات في الغناء العربي القديم علمًا وعملاً، « ولم يبق منها إلا شيء يسير عند أهل المغرب، غير قائم على أصول علمية مدروسة وإنما هي أشعار ملقنة بتلحين ملقن« .
العهد الموريسكي. تميزت الفترة الموريسكية بعدم التجديد وبالحفاظ على الموروث الثقافي للمجتمع الغرناطي للقرن التاسع الهجري ، شأنها في ذلك شأن كل الشعوب التي تعاني من الهجوم والاضطهاد والإبادة. لقد أصبحت الموسيقى حقًا موسيقى شعبية، وكل ما حافظت عليه من موسيقى الأندلس الراقية هي بعض الأغاني والرقة في الأداء (وهذا راجع إلى طبيعة الشخصية الأندلسية) واستعمال الطبوع الأندلسية لأن الشعب ألفها وهي تشكل هوية ميولاته الموسيقية والحفاظ على حب الموسيقى والمرح الذي كان يطبع شخصية الإنسان الأندلسي ثم الحفاظ على فن صناعة الآلات الموسيقية من عيدان وربايب ومزامير.
الموسيقى الأندلسية المغربية
الدولة الإدريسية. لقد شكل وفود الأندلسيين من قرطبة إلى المغرب بعد ثورة الربضيين (حيث أسّسوا « عدوة الأندلس » بفاس) عطاءً حضاريًا مهمًّا ذي طابع أندلسي حمل الحضارة إلى المغرب. لقد كان التأثير الموسيقي وافدًا من القيروان ومن الأندلس خلال العهد الإدريسي.
الدولة المغراوية والدولة المرابطية. كانت هذه الفترة مهمة جدًا من حيث النهوض بالعلوم والآداب والفنون، فقد تأثر المغرب بالحضارة والفنون الأندلسية، لاسيما وأن الحضارة الأندلسية كانت أرقى من الحضارة المغربية بفضل الصِّلات التاريخية التي كانت للإيبيريين بالحضارات المتوسطية، بينما حضارة المغرب غلب عليها طابع البداوة.
الدولة الموحدية. عرفت هذه الفترة هجرة العائلات الأندلسية إلى المغرب بعد دخول النصارى لعدد من المراكز الأندلسية كقرطبة وبلنسية وإشبيلية. وفي كتاب « الإمتاع في مسألة سماع السماع » نقرأ لابن الدراج السبتي أن الموسيقى الإشبيلية استمرت بالمغرب حتى زمن تأليف كتاب « المقدمة » أواخر المائة الثامنة للهجرة، ثم زاحمت المدرسة الغرناطية المدرسة الإشبيلية. وازدهر الأدب بشكل كبير في كل الأوساط بفضل تشجيعات الخلفاء الموحدين، مما ساهم في انتشار فن الزجل والموشح في المغرب والأوزان المترتبة عنها. كما نقرأ في رسالة الشقندي أن الموسيقى الأندلسية وُجدت في المغرب في هذا العصر. ومال المغاربة إلى اللهو والطرب رجالا ونساء. يقول الفقيه المنوني: « على أنه بعد أوائل هذا العصر أخذ الطرب يشيع ويترقى، وصار يستمع له بعض الأمراء مثل أبي الحسن علي بن عمر بن عبد المؤمن ».
الدولة المرينية. عرفت هذه الفترة نهوضًا فكريًا وفنيًا يعبر عن تأثر المغرب بالحضارة الأندلسية. وزادت الموشحات الأندلسية وغناء الزجل انتشارًا في المغرب وعرف هذا الأخير ازدهارًا كبيرًا.
الدولة الوطاسية. العهد الوطاسي هو عهد تغييرات كبيرة من الناحية الاجتماعية. فيه توالت هجرة الأندلسيين إلى المغرب، كما عرف سقوط مملكة غرناطة في يد الملوك الكاثوليك سنة 897هـ/1492م فأعاد الغرناطيون بناء مدينة تطوان التي ظلّت متميزة بالطابع الأندلسي الغرناطي إلى يومنا هذا. « لقد سقطت الأندلس وهي تعج بالعلماء والأدباء والشعراء »، وهكذا شهدت الموسيقى الأندلسية المغربية أو الآلة انبعاثًا جديدًا بفضل ما أتى به الأندلسيون من تقاليد غنائية وعادات موسيقية واحتفالية. وظهر غناء الملحون متأصلاً من فن الزجل، فكثُر شعراءه وملحِّنوه. ومما يميز العصر الوطاسي بداية الاهتمام بالجانب النظري لموسيقى الآلة. كما بدأ الاهتمام بلمّ شتات صنائع الآلة قصد جمعها في دواوين وكنانيش تضمّ أشعارها وبعض المعلومات.
الدولة السعدية. في هذا العهد دخل الموريسكيون إلى المغرب. فكان أهل سلا « على غاية تامة من المحافظة على مكارم الأخلاق، وحسن الشيم، واتِّباع السنة، وغاية التحفظ والورع التام في المأكل والمشرب، والقناعة بالإقلال، وعدم الافتخار بالجاه والمال… ». ويقول مؤرخ تطوان محمد داود في شأن التطوانيين: « …عرفنا مبلغ سكان تطوان من الرقي وأساليب الحياة ومظاهرها من سكن وملبس، ومطعم ومشرب، ومتجر ومصنع، فلقد كان للحياة الاجتماعية بتطوان طابع خاص امتاز بالرقة واللطف وحسن الذوق في الترتيب والتنميق، والمرونة في حل المشاكل والأزمات والتوفيق بين الواجب والواقع… ». ويقول بوجندار: « أهل الرباط على العموم من أهل مدنية لا يعادلهم فيها إلا أهل فاس وتطوان، نظرًا لأصلهم الأندلسي الأصيل في العراقة والحضرية التي نشاهد من آثارها في الرباط والرباطيين ما هو ظاهر، ظهور الشمس، في معارفهم وآدابهم وصنائعهم،… ». وفي أوائل القرن العاشر الهجري ألّف عبد الواحد بن أحمد الونشريسي أرجوزة « رسالة في الطبائع والطبوع والأصول ».
ولكن ورغم كل الجهود التي قام بها المغاربة في هذا الصدد كانت تنقصهم عمومًا « الملكة والحذق في العلوم » فحيث ما كان الأندلسيون يعتمدون على المناظرة والمحاورة في المنهاج التعليمي، اعتمد المغاربة على « الحفظ أكثر من الحاجة، فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم ». يقول ابن خلدون: « أما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث، ولا من فقه، ولا من شعر، ولا من كلام العرب […] وأما أهل الأندلس […] فلا يقتصرون لذلك عليه فقط، بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل، وأخذهم بقوانين العربية، وحفظها، وتجويد الخط والكتاب… ». ولهذا السبب تحوّلت شخصية الموسيقي من فنان مبدع ومُلِمّ بالقواعد الموسيقية إلى مجرد حافظ للصنائع الأندلسية، لأن « العلم يعني في هذه الظروف الحفظ بالمعنى العام، ولا يمكن بحال أن يعني الاجتهاد والابتكار » (عبد الله العروي). لقد أنشأ الأندلسيون نمطًا ونظريةً موسيقية لم يساهم المغاربة في تأسيسها، « فيها إذن ما يوافقه [المغربي غير الأندلسي] وما لا يوافقه » (عبد الله العروي). وهكذا وفي سياقه الفني والذي يرتكز أساسًا على الحفظ استبعد الموسيقي المغربي نظرية غنية عربية إغريقية إيبيرية لا تلاءم الواقع الموسيقي بالمغرب آنذاك.
الدولة العَلَوِية. في عهد الدولة العلوية أوُلِي اهتمام كبير للتعليم الموسيقي، وفي أواخر القرن الحادي عشر الهجري بدأت الجالية الأندلسية المغربية تفقد الإحساس بالتّفوّق الحضاري وتندمج مع باقي مكونات المجتمع المغربي، فتهيأت الظروف لانتشار أكبر للموسيقى الأندلسية في الأوساط الفنية الراقية المغربية. تميّزت المرحلة الأولى بالتوثيق ولمّ شتات الموسيقى الأندلسية في الكنانيش. وفي القرن الحادي عشر الهجري كتب محمد البوعصامي « إيقاد الشموع للذة المسموع بنغمات الطبوع »، وألّف أبو عبد الله محمد بن الطيب الشريف العلمي اليونسي « الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب »، و كانت السيدة الزهور بنت القاضي عبد الرحمن الحائك التطواني تحفظ عدة نوبات وتدوّنها في كناشها. وقد كانت على قيد الحياة سنة 1207هـ/1793م. وكان بتطوان نساء موسيقيات تغني وتعزف استمرارا للتقاليد الأندلسية، حيث كانت زهور بنت عبد الرحمن الحائك حافظة كبيرة وتجمع مدوناتها في كناش.
وبأمر من السلطان الأديب سيدي محمد بن عبد الله جمع عالم من مدينة تطوان وهو الفقيه محمد بن الحسين الحائك صنائع الآلة في كناش منفرد وذلك سنة 1214هـ/1800م. ويضم الكتاب مقدمة في ثلاث فصول وديوان الآلة المستعملة في زمانه، مع معلومات قيمة حول الطبوع والإيقاعات.
وقد عرف القرن التاسع عشر الميلادي بداية اهتمام الأوربيين بالموسيقى الأندلسية فظهر كتاب « الموسيقى العربية الإسبانية وعلاقة الموسيقى بعلم الفلك والطب والهندسة المعمارية » (MÚSICA ÁRABE-ESPAÑOLA Y CONEXIÓN DE LA MÚSICA CON LA ASTRONOMÍA MEDICINA Y ARQUITECTURA) لماريانو سوريانو فويرطس سنة 1269هـ/1853م.
وفي نفس القرن ألف محمد بن العربي الدلائي الرباطي كتاب الأمداح « فتح الأنوار في بيان ما يعين على مدح النبي المختار ». ,ألّف أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد القادر التّادلي الرّباطي كتاب « أغاني السيقا ومغاني الموسيقى ». ,كانت السيدة عائشة بنت عبد السلام فرنشو التطوانية تحفظ عدة نوبات وتتقن العزف على العود، وهي زوجة المطرب الحاج العربي الشارف.
وفي سنة 1303هـ/1885 – 1886م أيام السلطان الحسن الأول، أشرف الوزير محمد بن العربي الجامعي وبأمر من السلطان الحسن الأول على إنجاز مختصر لمجموعة الحائك عُرف بمختصر الجامعي ويرى بعض الباحثين أن سبب تلخيص الحائك هي الأزمة التي عرفتها موسيقى الآلة بفاس على عهده كما يذكر كتاب « أغني السيقا » للتادلي. ومنذ ذاك الحين أصبحت نسخة الجامعي هي النسخة المعتمدة في المدرسة الفاسية وظل التطوانيون يمارسون الآلة وفقا لكناش الحائك كما أقر بذلك الحاج عبد السلام بنونة. ومن أعلام الآلة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين محمد بن الحاج محمد الشودري وعبد السلام البريهي وعبد السلام بالأمين العلمي ومحمد بن سلام ومحمد بن إدريس المطيري وعمر بن العباس الجعيدي وعبد القادر كريش ومحمد البريهي والمكي امبيركو.
وفي سنة 1347هـ/1928م وبدعوة من الحاج عبد السلام بنونة وهو من رواد النشاط الثقافي والعلمي بمدينة تطوان تم تدوين النوبات الإحدى عشر بالنوطة الموسيقية بتطوان من طرف سلطات الحماية الإسبانية تحت إشراف أنطونيو بوستيلو (Antonio Bustelo).
وكانت دار مولاي أحمد الوزاني بطنجة محجّ الولوعين وفيها نشأ وترعرع ولده مولاي العربي الوزاني العالم النظري عازف البيانو والملحن. وقد نشر عددًا من الأبحاث حول الطبوع والأشعار والأداء الموسيقي.
أما النصف الثاني من القرن العشرين فقد عرف نهضة موسيقية لا مثيل لها في تاريخ الموسيقى في المغرب. وكان تأثير الحماية الإسبانية والفرنسية من أسباب هذه النهضة، فالمغاربة استفادوا من النهوض الحضاري والمنهج العلمي الذي كان يتّبعه الموسيقيون في الغرب. أما عن النتائج السلبية لهذا التأثير فإن أخطرها هو الإحساس بالنّقص اتجاه الحضارة الغربية عمومًا والموسيقية منها خصوصًا والذي تجلى في تبني النظرية الموسيقية الغربية في تحليل الطبوع الأندلسية، الشيء الذي أدى إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن المعنى الصحيح للطبع الأندلسي من جهة شخصيته وخاصياته الموسيقية وطريقة التعامل معه عند تأدية الصنائع وعند الارتجال والإبداع. وظهرت مجموعة من الأجواق الرّائدة وأبرزها الأجواق جوق الإذاعة والتلفزة المغربية بالرباط برئاسة أحمد الوكيلي وجوق المعهد الموسيقي بتطوان برئاسة محمد بن العربي التمسماني وجوق البريهي بفاس برئاسة عبد الكريم الرايس.
وفي سنة (1378هـ/1958م) قامت نخبة من الولوعين والأساتذة بتأسيس جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب.
ومن أهم الباحثين في التراث الموسيقي الأندلسي المغربي في القرن العشرين الحاج امحمد بنونة ومولاي العربي الوزاني وعبد العزيز بن عبد الجليل ومالك بنونة وعبد المالك الشامي ويونس الشامي والمهدي الشعشوع وعمر المتيوي وعبد الفتاح بنموسى وأمين الشعشوع. ومن تونس صالح المهدي ومحمود قطاط. ومن اسبانيا خُولْيَان رِيبِيرَا وبَاطْرُوسِيْنُيو غَرْسِيَا بَارْيُوسُو وأَرْكَادْيُو دِي لاَرِيَا بَالاَثِينْ وفِرْنَانْدِيثْ بَالْدِيرَامَا. ومن فرنسا جول رواني وأَلِكْسِيسْ شُوتِينْ ومن لبنان كْرِيسْتْيَانْ بُوخِي.
وأخيرًا وفي زماننا الحاضر ترأس الأجواق العتيدة السادة الأساتذة: المهدي الشعشوع في جوق المعهد التطواني ومحمد ابريول في جوق عبد الكريم الرايس والعياشي الفاسي في جوق المعهد الموسيقي بشفشاون ولا زال احمد الزيتوني يترأس جوق المعهد الموسيقي بطنجة.
ومن الحلقات السلبية للموسيقى الأندلسية ابتداء من سبعينيات القرن العشرين إقحام الأسلوب والمقامات الشرقية فيها، موالا وتقسيما وصنعة، مما ساهم في تكسير أساس هويتها فخلفهم بعد ذلك جيل من المنشدين وعازفي الكمان لا يقدرون على ابتكار موال أو تقسيم أندلسي. كما أن التّوتّر والفوضى وحب الظهور الفردي (فكرة النجومية) غلبوا على الممارسة مما أفقد موسيقى الآلة أناقتها ورقّتها.
ومن الحلقات الإيجابية في تاريخ الموسيقى الأندلسية المغربية أخذها بوسائل التكنلوجية الحديثة من وسائل سمعية بصرية ومعلوماتية بإنشاء مجموعة من الصفحات على الأنترنيت تتيح فرصة الاتصال والتعليم والتواصل.
كل هذا الكلام يوضح معنى واحدا فقط هو أن صاحبه يعاني من عقدة العروبة كونه امازيغي بربري الطرب الأندلسي بكل اختصار دخل به زرياب العربي العراقي إلى الأندلس و هناك في شبه الجويرة الايبيرية وقع فيه فيه تطورات و تغيرات و لو كان الطرب الأندلسي من أصول غير عربية لما تغنى به اليهود باللغة العربية و غنوه بالعبرية هذا كل ما في الأمر و بكل اختصار الطب الأندلسي لا يغنى بأية لغة او لهجة الا بالعربية لغة أصله و المكان الذي انطلق منه