الموسيقى الأندلسية والموسيقى الأمازيغية

أمين الشعشوع
الخميس 16 يناير 2020

مقدمة
من الطبيعي أن يتسائل المهتمون حول علاقة الموسيقى الأندلسية بالموسيقى الأمازيغية بفعل التاريخ المشترك بين العدوة الأندلسية والعدوة الإفريقية.

من المعضلات التي يواجهها البحث العلمي في الموسيقى الأمازيغية نذرة المراجع، سواء المخطوطات التاريخية أو المؤلفات الحديثة. إن أهم ما كُتِب في الموسيقى الأمازيغية هو:
Tableau de la Musique Marocaine – Alexis Chotin.
La théorie musicale simplifiée – Belaïd el Akkaf.

إلا أنه ورغم وجود بعض المعلومات القيمة في المؤلّفَين إلا أنها لا تسعفنا في إجراء بحث مقارن بين تاريخ ومحتوى النمط الأندلسي والنمط الأمازيغي.

كما أن البحث الراهن حول الموسيقى والثقافة الأمازيغية لا زال في بداياته الأولى، لهذا فإن حالته لا يمكن أن توفر لنا وسائل للدراسة والتحليل والاستنتاج.

العلاقة بين الموسيقى الأندلسية والموسيقى الأمازيغية

انطلاقا من أبحاثي حول تاريخ الثقافة الأمازيغية وموسيقاها ومقارنة مع الموسيقى الأندلسية، وانطلاقا، كما قلنا، من البحث الراهن للثقافة الأمازيغية، فإنه لا وجود لعلاقة بين النمطين الأندلسي والأمازيغي، كما سنوضح في السطور الآتية

من الناحية التاريخية
لا يُعرف تأثير ثقافي ملحوظ للعادات الأمازيغية في عادات المجتمع الأندلسي، كما أنه لا تيوجد إشارة لممارسة تقاليد ذات طابع أمازيغي على أرض الأندلس، إذا استثنينا إشارة لعرس أمازيغي في كتاب المقتبس 2 لابن حيان. أما باقي المراجع (النفح، الذخيرة، الإحاطة، العقد…) فإنها لا تعطي أية غشارة في هذا الموضوع.

من الناحية الموسيقية النظرية
إن طبوع الموسيقى الأندلسية تستمدّ هويتها من
طبوع الموسيقى الإيبيرية الوسيطية: المشرقي، رمل الماية، رصد الذيل
طبوع الموسيقى العربية المشرقية، الحجاز الكبير، الزوركند، الحجاز المشرقي، الخ

كما أن الأشكال اللحنية هي أشكال وسيطية أوربية سواء في هياكلها االطبعية أو في اسطيطيقيتها اللحنية

من الناحية الشعرية
مل المراجع الأدبية والتاريخية تخبرنا بأن الشعر الغنائي في الأندلس مو شعر غما عربي فصيح أو توشيحي و زجلي عربي ورومنثي لاتيني عبري بأقفاله وخرجاته التوشيحية. ولا وجود لتقاليد شعرية أمازيغية في المشهد الشعري الغنائي الأندلسي

وماذا عن طبع الرصد؟
خماسية طبع الرصد بين الصواب والخطأ
إنّ الفكرة السّائدة هي أنّ طبع الرصد مستلهم من ألحان الموسيقى الأمازيغية نظرًا لوجود بعد الثالثة صغيرة (مي – صول) والذي نجده بكثرة في ألحان طبع الرصد. إلا أن هذه الفكرة لا تراعي حقيقة مهمّة وهي إنّ بعد الثالثة صغيرة هو بعد شائع في كل الموسيقى الإيبيرية وفي الموسيقى الغربية عمومًا قبل وأثناء العهد الأندلسي. ونذكر كأمثلة على هذا الموسيقى الغريغورية[1] والنشيد القوطي والموسيقى الوسيطية الأوربية[2] والموسيقى الشعبية الأوربية في شمال فرنسا وإنجلترا والدول الاسكندينافية والموسيقى السقلبية[3] بل وفي مصر القديمة[4]، حيث أن السلم في الدولتين القديمتين (3200-111 ق.م) والوسطى (إلى 1500 ق.م.) كان خماسيًا ولم يتحول إلى سلم سباعي حتى عهد الهكسوس والدولة الحديثة[5]، وكذلك في الصين وكوريا واليابان الفيتنام وأستراليا واليونان وهنغاريا [6] وإفريقيا السوداء وغيرها، رغم التباعد الجغرافي الحاصل بين الشعوب المذكورة والتباعد في نشأة موسيقاها وتطورها[7].
كما أنّ بعد الثالثة صغيرة هو من مميّزات العديد من الطبوع الأندلسية ومنها المشرقي (دو، ري، فا) ورصد الذيل (دو، لا) والعشاق (صول، مي) و(مي، صول)، كما أننا نجد خلية (دو، ري، فا) في أغلب الطبوع الأندلسية: الحمدان والماية ورصد الذيل والغريبة المحررة والعشاق، إضافة إلى المشرقي.

في حقيقة الأمرإن فكرة « سلم طبع الرصد سلم خماسي » هي فكرة مغلوطة، إن طبع الرصد يستعمل بكثرة الدرجات دو، ري، مي، صول، لا، سي أي ستة نغمات وليس خمس. ورغم ذلك فإن نغمة « فا » حاضرة وأساسية في حلَّتَيْهَا البيكار والدييز في ألحان الرصد، انظر في ذلك صنعة « امنع رقادي » وصنعة « حبك يا أمير الملاح » من بطايحي الرصد.
لهذا فإن سلم طبع الرصد هو في الحقيقة سلم سباعي، إلا أنه يحتوي على خاصيتين تقوي الإحساس الخماسي فيه، وهي
أولا، وجود خلية « لا3 صول3 مي3« ، التي تعطي بعد الثالثة صغيرة نزولا
وجود نغمة السرد « مي » والتي تحبس اللحن فيها عند الصعود لتؤكّد بهذا سردية النغمة، ثم بعد ذلك ينتقل اللحن إلى العقد الثاني حيث يبدأ بنغمة « صول3 » ثم نغمة « لا3« ، مجسّدًا بذلك التتابع (مي3 صول3 لا3) والذي يبلور بدوره بعد الثالثة صغيرة صعودًا.
أما جملة « مي3 صول3 مي3 » الشائعة الاستعمال بين الموسيقيين فهي لا تشكل الأصل، والأصل في الجملة هو « مي3 مي3 مي3 » عملا بسردية نغمة « مي3« ، وما إدخال نغمة « صول3 » إلا انغماسًا في الجو الذي تولده خلية « لا3 صول3 مي3« .

الخاتمة
بهذا تكون العلاقة بين الموسيقى الأندلسية والموسيقى الأمازيغية علاقة لا أساس لها حسب البحث الحلي للنمطين الموسيقيين وللثقافتين بشكل عمومي.
لقد تطورت الموسيقى الأندلسية في جو إيبيري عربي بينما كان تطور الموسيقى اللأمازيغية يتشكل بمعطيات مغاربية وعربية وإفريقية شمالية قديمة.

فهل كانت الموسيقى الأمازيغية الكلاسيكية قريبة من الموسيقى الأوربية بحكم الاتصال الثقافي الديموغرافي الروماني؟
هل كانت موسيقى الأمازيغ تبحث عن الاتصال الفعلي بموسيقى الغرب الأوربي بتحفيز من حكامها وعلى رأسهم الحاكم المثقف جوبا الثاني؟

هي تساؤلات تظل معلّقة ما دامت المعطيات التاريخية الحاضرة لا تسعفنا للوصول إلى أجوبة شافية لها


[1] CHAILLEY Jacques, Formation et transformation du langage musical, I, Intervalles et échelles (Les cours de la Sorbonne), Centre de Documentation Universitaire, 5, Place de la Sorbonne, Paris-V, 1961, Paris, p. 133.

[2]   VIRET Jacques, Le chant grégorien et la tradition grégorienne, L’Age d’Homme, 2001, Lausanne, p. 272.

[3] Les premières gammes celtiques et la musique populaire des Hébrides, Maurice Duhamel, p. 3.

[4]   جبران أسعد، «الموسيقى السورية عبر التاريخ»، ص. 52.

[5] أسعد جبران، «الموسيقى السورية عبر التاريخ»، ص. 52.

[6] SAULNIER Dom Daniel, Los modos gregorianos, Solesmes, 2001, Madrid, p. 34.

[7] LACHMANN Robert, Música de Oriente, traduction : RIBERA Y MANEJA Antonio, Editorial Labor, 1931, Barcelona.


Laisser un commentaire